responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 257
اسْتِمَالَةُ قُلُوبِهِمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ شَرْطَ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْمَنْسُوخِ، وَمَدْلُولُ هَذِهِ الْآيَةِ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ بِأَفْعَالِهِ وَبِثَمَرَاتِ أَفْعَالِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقِتَالِ، فَآيَةُ الْقِتَالِ مَا رَفَعَتْ شَيْئًا مِنْ مَدْلُولَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ باطلا.

[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى، قَسَّمَ الْكُفَّارَ إِلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ قَسَّمَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي غَايَةِ الْبُغْضِ لَهُ وَالْعَدَاوَةِ لَهُ وَنِهَايَةِ النَّفْرَةِ عَنْ قَبُولِ دِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَوَصَفَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ كَلَامَكَ مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ كَالْأَصَمِّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ أَلْبَتَّةَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَوِيَ بُغْضُهُ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، وَعَظُمَتْ نُفْرَتُهُ عَنْهُ، صَارَتْ نَفْسُهُ مُتَوَجِّهَةً إِلَى طَلَبِ مَقَابِحِ كَلَامِهِ مُعْرِضَةً عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ مَحَاسِنِ كَلَامِهِ، فَالصَّمَمُ فِي الْأُذُنِ، مَعْنًى يُنَافِي حُصُولَ إِدْرَاكِ الصَّوْتِ فَكَذَلِكَ حُصُولُ هَذَا الْبُغْضِ الشَّدِيدِ كَالْمُنَافِي لِلْوُقُوفِ عَلَى مَحَاسِنِ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَالْعَمَى فِي الْعَيْنِ مَعْنًى يُنَافِي حُصُولَ إِدْرَاكِ الصُّورَةِ، فَكَذَلِكَ الْبُغْضُ يُنَافِي وُقُوفَ الْإِنْسَانِ عَلَى مَحَاسِنِ مَنْ يُعَادِيهِ وَالْوُقُوفُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْفَضَائِلِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ فِي أُولَئِكَ الْكُفَّارِ مَنْ بَلَغَتْ حَالَتُهُ فِي الْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ، ثُمَّ كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَصَمِّ سَمِيعًا وَلَا جَعْلُ الْأَعْمَى بَصِيرًا، / فَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَدُوِّ الْبَالِغِ فِي الْعَدَاوَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ صَدِيقًا تَابِعًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ، قَدْ بَلَغُوا فِي مَرَضِ الْعَقْلِ إِلَى حَيْثُ لَا يَقْبَلُونَ الْعِلَاجَ وَالطَّبِيبُ إِذَا رَأَى مَرِيضًا لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْتَوْحِشْ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْعِلَاجِ، فَكَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَسْتَوْحِشَ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، عَلَى أَنَّ السَّمْعَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَصَرِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَرَنَ بِذَهَابِ السَّمْعِ ذَهَابَ العقل، ولم يقرن بذهاب النظر إلا ذهاب الْبَصَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ أَفْضَلَ مِنَ الْبَصَرِ. وَزَيَّفَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ هَذَا الدَّلِيلَ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي نَفَاهُ اللَّه مَعَ السَّمْعِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي نَفَاهُ اللَّه مَعَ الْبَصَرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ إِبْصَارَ الْقُلُوبِ، وَلَمْ يُرِدْ إِبْصَارَ الْعُيُونِ وَالَّذِي يُبْصِرُهُ الْقَلْبُ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُهُ. وَاحْتَجَّ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ بِحُجَّةٍ أُخْرَى مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: كُلَّمَا ذَكَرَ اللَّه السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، فَإِنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ يُقَدِّمُ السَّمْعَ عَلَى الْبَصَرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَصَرِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ دَلَائِلَ أُخْرَى: فَأَحَدُهَا: أَنَّ الْعَمَى قَدْ وَقَعَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَمَّا الصَّمَمُ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ السَّائِلِينَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فَيَعْجَزُ عَنْ تَبْلِيغِ شَرَائِعِ اللَّه تَعَالَى.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقُوَّةَ السَّامِعَةَ تُدْرِكُ الْمَسْمُوعَ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَالْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ لَا تُدْرِكُ الْمَرْئِيَّ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُقَابِلُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست